سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: {أدرك} على وزن أفعل أي: بلغ ولحق، كما يقال: أدركه علمي إذا لحقه وبلغه، يريد: ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة. قال مجاهد: يدرك علمهم، {فِي الآخِرَةِ} ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم. قال مقاتل: بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا عنه في الدنيا وهو قوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} يعني: هم اليوم في شك من الساعة، وقرأ الآخرون: {بل أدراك} موصولا مشددا مع ألف بعد الدال المشددة، أي: تدارك وتتابع علمهم في الآخرة وتلاحق. وقيل: معناه اجتمع علمهم في الآخرة أنها كائنة، وهم في شك في وقتهم، فيكون بمعنى الأول. وقيل: هو على طريق الاستفهام، معناه: هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة؟ أي: لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه، لأن في الاستفهام ضربا من الجحد يدل عليه. قراءة ابن عباس {بلى} بإثبات الياء، {أدارك} بفتح الألف على الاستفهام، أي: لم يدرك، وفي حرف أُبَي {أم تدرك علمهم}، والعرب تضع بل موضع أم وأمموضع بل وجملة القول فيه: أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب، وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا. وذكر علي بن عيسى أن معنى بل هاهنا: لو ومعناه: لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا.
قوله عز وجل: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} بل هم اليوم في الدنيا في شك من الساعة. {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} جمع عم، وهو الأعمى القلب. قال الكلبي: يقول هم جهلة بها. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني مشركي مكة، {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} من قبورنا أحياء، قرأ أهل المدينة: {إذا} غير مستفهم، {أئنا} بالاستفهام، وقرأ ابن عامر، والكسائي: {أإذا} بهمزتين، {أإننا} بنونين، وقرأ الآخرون باستفهامها. {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا} أي: هذا البعث، {نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل محمد، وليس ذلك بشيء {إِنَّ هَذَا} ما هذا، {إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها.


{قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على تكذيبهم إياك وإعراضهم عنك، {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة. {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ} أي: دنا وقرب، {لَكُمْ} وقيل: تَبِعَكم، والمعنى: ردفكم، أدخل اللام كما أدخل في قوله: {لربهم يرهبون} [الأعراف- 154]، قال الفراء: اللام صلة زائدة، كما تقول: نقدته مائة، ونقدت له {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} من العذاب، فحل بهم ذلك يوم بدر. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} قال مقاتل: على أهل مكة حيث لم يعجل عليهم العذاب، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} ذلك. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} ما تخفي {صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} أي: جملة غائبة من مكتوم سر، وخفي أمر، وشيء غائب، {فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} أي: في اللوح المحفوظ. {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: يبين لهم، {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين، قال الكلبي: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه.


{وَإِنَّهُ} يعني القرآن، {لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي} يفصل {بَيْنَهُمْ} أي: بين المختلفين في الدين يوم القيامة، {بِحُكْمِهِ} الحق، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} المنيع فلا يرد له أمر، {الْعَلِيمُ} بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء. {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} البين. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} يعني الكفار، {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} قرأ ابن كثير: {لا يَسْمَع} بالياء وفتحها وفتح الميم {الصُّمُّ} رفع، وكذلك في سورة الروم، وقرأ الباقون بالتاء وضمها وكسر الميم، {الصُّمَّ} نصب. {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} معرضين. فإن قيل ما معنى قوله: {وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولوا أو لم يولوا؟. قيل ذكره: عل سبيل التأكيد والمبالغة. وقيل: الأصم إذا كان حاضرا فقد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة، فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم. قال قتادة: الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان. ومعنى الآية: أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه، والأصم الذي لا يسمع. {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} قرأ الأعمش، وحمزة: {تهدي} بالتاء وفتحها على الفعل {العمي} بنصب الياء هاهنا وفي الروم. وقرأ الآخرون بهادي بالباء على الاسم، {العمي} بكسر الياء، {عَنْ ضَلالَتِهِمْ} أي: ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلب عن الإيمان، {إِنْ تُسْمِعُ} ما تسمع، {إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله، {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} مخلصون.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12